بسم الله الرحمن الرحيم
لكم مني تحية الإسلام
وبعد السلام
لكم مني أحلى الكلام
وآمل أن تكونوا بخير مدى الأيام
التحكيم ضرورة عصرية
تزايدت أهمية اللجوء إلى التحكيم كبديل للقضاء العادى منذ منتصف القرن العشرين وحتى نهايته بصورة ملحوظة ويرجع ذلك إلى الوفاء بحاجة التجارة الدولية نتيجة تشابك معاملات هذه التجارة وتضخمها بصورة كبيرة وما تثيره من منازعات ذات طبيعة خاصة تحتاج فى حلها إلى وسائل غير تقليدية ،فضلا عن دعم مسيرة القضاء و تخفيفاً للعبء المثقل الملقى على كاهله،فكان من الضرورى أن يضطلع التحكيم بدوره فى إكمال دور القضاء بحل المنازعات ذات الطبيعة الخاصة ومن هنا إكتسب التحكيم صفته كوسيلة مستقلة لحل المنازعات بغير طريق القضاء .
ماهية التحكيم وطبيعته
التحكيم هو نظام أو طريق خاص للفصل فى المنازعات بين الأفراد والجماعات سواء كانت مدنية أو تجارية عقدية كانت أو غير عقدية ،فالتحكيم قوامه الخروج على طرق التقاضى العادية فيعتمد أساساً على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم بدلاً من الإعتماد على التنظيم القضائى للبلد التى يقيمون بها وتسمى "هيئة التحكيم" وتتكون من محكم واحد أو أكثر حسبما يتفق الأطراف بمشارطة التحكيم أو فى الوثيقة المنظمة للعلاقة التى يتناولها التحكيم.وقد إختلف الفقهاء حول طبيعته فأضفى عليه البعض الطبيعة القضائية إنطلاقاً من طبيعة عمل المحكم التى تتماثل مع عمل القاضى ،بينما ذهب البعض إلى تبنى الطبيعة العقدية للتحكيم إستناداً إلى أن أساس التحكيم هو إتفاق الأطراف ،بينما ذهب الرأى الراجح إلى إعتبار التحكيم ليس إتفقاً محض ولا قضاءً محض فهو فى أوله إتفاق وفى وسطه إجراء وفى أخره حكم .
أهمية و مزايا التحكيم
يتميز التحكيم بمرونته فهو يسمح للمتنازعين بتشكيله على النحو المناسب لهم ويمكن الأطراف من إختيار المحكمين الذين يتولوا عملية التحكيم بأنفسهم ،كما أن المحكم لديه قدر كبير من المرونة ومساحة معقولة من الحرية فى الوصول للحكم العادل دون التقيد بنظام رسمى شكلى أو نظام قانونى يكبله .
كما يتميز التحكيم من ناحية أخرى بسرعته فلا يخفى أن أشد العيوب التى عانى منها القضاء هو البطء الناتج عن تراكم القضايا المعروضة على القاضى فأصبح من غير الميسور على القضاء أن يفصل فى المنازعات بين الأفراد فى وقت قصير بعد أن تعقدت شئون الحياة وكثرت مشاكلها وأصبح لا يفصل فى الدعاوى القضائية إلا بعد مدد تصل إلى عدة سنوات مما يؤدى إلى بطء الفصل فى النزاع عن طريق اللجوء إلى القضاء الذى لا يفصل فيه إلا إذا جاء دوره وبعد أن ينال من التأجيلات مالا يتفق مع مصلحة الاطراف ،وحتى لو حقق القضاء العدالة فهى عدالة بطيئة قد لا يصل إليها صاحب الحق إلا بعد مدة طويلة ،فالعدل البطىء هو نوع من الظلم لذلك فان السرعة التى يتميز بها التحكيم تعتبر من أهم ايجابياته فقوانين التحكيم ولوائحه ومواثيقه عادة ما تحدد مدة يجب ألا يتجاوزها المحكم عند إصدار قراره .
فضلا عن أن نظام التحكيم يتميز بالبساطة والسهولة والتخلص من الشكليات القضائية حيث يتفادى الطرفين من خلاله تعدد درجات التقاضى فالدعوى أمام القضاء تمر بمراحل متتالية بين المحكمة الابتدائية ثم الاستئنافية ثم محكمة النقض وربما أُستخدمت إشكالات التنفيذ كوسيلة لتعطيل تنفيذ أحكام القضاء والتى قد تستغرق هى الأخرى بضع سنين .
كما أن التحكيم هو أنسب الطرق لحل المنازعات التى تثيرها العلاقات ذات الطابع الدولى فوجود العنصر الأجنبى فى العلاقة يؤدى إلى إحتياج أطرافها إلى جهة محايدة لحل ما تثيره من منازعات ويكون التوصل إلى محكم محايد أو على الأقل ينتمى إلى دولة أخرى غير الدول التى ينتمى إليها الأطراف بمثابة طوق النجاة الذى يحظى بقبول الطرفين .
مساوىء التحكيم
َفإذا كانت هذه هى بعض مزايا التحكيم فلا يمكن إنكار ماله من مثالب أو إخفائها فالتحكيم يوصف عادة بأنه طريق مكلف مادياً و يرجع ذلك إلى تصاعد رسوم التحكيم ومكافأت المحكمين فى بعض مراكز التحكيم ،إلا أنه يراعى أن هذا العيب يجب ألا يقدر بمعزل عن العامل الزمنى إذا تم إنهاء النزاع خلال مدة قصيرة أو حتى مدة محددة قد يكون له قيمة كبيرة فى ذاته ،كما أن حصول صاحب الحق على حقه عن طريق القضاء بعد مضى سنوات من إثارة النزاع المصحوب بنزيف مادى قد تكون حصيلته أكثر كلفة من نفقات التحكيم المرتفعة والتى تنهى النزاع سريعاً .
كما يعتبر من مساوىء التحكيم أيضا فى نظر البعض عدم موضوعية بعض المحكمين وهو ما يمكن تلافيه بحسن إختيار المحكم وهى مسألة تقع أساساً على عاتق الأطراف ويمكن أن تعاونهم فى هذا بعض مؤسسات ومراكز التحكيم غير المنحازة كما يمكن علاج هذه المسألة بإتخاذ إجراءات الرد التى تقررها مختلف قوانين التحكيم .
[ .